مقالات

طلاب جامعات في مرمى النار

كتبت الأستاذة لمى خاطر:

أن تكون طالباً جامعياً في إحدى جامعات الضفة وحاملاً رسالة وهمّاً وطنـ ـياً يعني أن تعيش سنوات دراسية مضنية، وطويلة، ومنزوعة الاستقرار، لأنك تكون عندها الهدف الأساسي لملاحقات واعتقالات الاحتـ ـلال وأجهزة السلطة الأمنية، والنتيجة ليست فقط تأخر مسيرتك الأكاديمية واحتياجك أعواماً عديدة لإنهاء المرحلة الجامعية بسبب الاعتقالات التي يتناوب عليها الجانبان، إنما انتفاء ظروف الأمان والاستقرار، وما يتصل بهما من مقتضيات التحصيل الدراسي في الجامعات.

أول أمس اعتقل جيش الاحتـ ـلال عدداً من طلاب الكـ ـتلة الإسـ ـلامية في جامعة النجاح، وهم الذين كانوا قبل أسابيع يعانون من ملاحقة أجهزة السلطة لهم، وهذا المشهد جزء من كلّ، ومثال على ما جرى في جميع جامعات الضفة التي شهدت أو تشهد عملاً نقابياً أو وطنـ ـياً، حتى لو كان بمستوى إحياء ذكرى انطلاقة حركة حم//اس في الجامعات قبل نحو أسبوعين، وما رافقه من استنفار عالٍ لأجهزة السلطة لملاحقة واعتقال شباب الجامعات وتعذيبهم وتهديدهم، من شمال الضفة حتى جنوبها، حيث كانوا المستهدفين الأساسيين بتلك الحملة المسعورة.

ربما يبدو مستغرباً ذلك الوضع الذي يتعرض فيه طالب جامعي للتعذيب على خلفية نشاط نقابي أو وطنـ ـي، لكنّ هذا ما يحصل في مقرات الأجهزة الأمنية، مضافاً إليه تلفيق اتهامات مكذوبة للطلاب المعتقلين كحيازة السلاح ونحو ذلك، رغم كونهم معتقلين على خلفية رأيهم أو نشاطهم الوطـ ـني داخل الجامعات، أما تفاصيل التعذيب الذي تعرض له الطلبة فتكشف عن مستوى غير متخيّل من الحقد الذي هيمن على عقول عناصر وضباط الأجهزة الأمنية، وجعلهم يستسيغون انتهاك أجساد الشباب والتفنن في تعذيبهم وإهانتهم والحط من كرامتهم، رغم أن غالبية المعتقلين أسـ ـرى سابقون لدى الاحتـ ـلال، أو مشاريع لأسـ ـرى لاحقين، وتنتظرهم زنازين تحقيق الشاباك الصـ ـهـ ـيوني فور تحررهم من سجون السلطة. ومع ذلك يبدو أن التعبئة المسمومة بالحقد والكراهية التي يتلقاها عناصر هذه الأجهزة أعظم أثراً من أن تستوقف بعضهم ليتساءلوا عن معنى ومغزى أدوارهم القذرة هذه، التي تتحيّد لأجلها كل قيمة وطنـ ـية أو خلق سويّ، ولا يعودون يبالون بكونهم يخدمون الاحـ ـتلال مباشرة ويطبقون سياساته ذاتها.

حقيقة أن دور أجهزة السلطة يقول إنها ذراع أمنية للاحتـ ـلال ما عادت بحاجة لأدلة إضافية، وعناصرها على كل حال يدركون هذه الحقيقة جيداً حتى وهم يلوكون الشعارات الصدئة القائلة بأنهم يحمون (المشروع الوطنـ ـي)، لكن إن كان قادتهم ينجحون في تزييف وعيهم وحقنهم بجرعات الافتراء حين يتصل الأمر بملاحقة المـ ـQـا/ومين المسـ ـلحين، عبر الادعاء بأنهم يخططون للسيطرة على الضفة، ورغم ما في هذه الفرية من تهتك وعوار كون المستهدفين لا يوجهون سلاحهم لعناصر السلطة، مع ذلك، ما هي الحجة التي تسوّغ لهم تعذيب طلاب جامعيين بسبب نشاط لا يتجاوز أسوار جامعاتهم؟! وبأي مبرر يتم ضرب علاقاتهم الأسرية عبر تحريض ذويهم عليهم وتهديدهم وإبلاغ آبائهم بمعلومات مكذوبة حول نشاطهم؟!

حتى لو كانت هذه أجهزة وطنـ ـية وليست والغة في التنسيق الأمني وحماية ظهر عدوّها، فإن ارتعادها من نشاط طلاب جامعيين مؤشر على إفلاسها ووضاعة حالها، وغياب أي ضابط أخلاقي أو وطـ ـني أو قانوني لسلوكها، ومما يغريها بمزيد من التغوّل على حقوق الطلبة وحريتهم صمت إدارات الجامعات المختلفة، وعجزها عن حماية طلبتها، ولو ببيانات الإدانة الكلامية، ومتابعة أوضاعهم قانونيا، وصون حقوقهم أكاديميا.

ولو كان الحال مختلفا، لما اضطر عدد من طلاب جامعة بيرزيت للاعتصام المفتوح داخل الجامعة في البرد لاتقاء الاعتقال لدى أجهزة السلطة، رغم كون بعضهم مطلوباً للاعتقال لدى الاحـ ـتلال، وثمة خشية من اقتحام الأخير للجامعة، لا سيما وأن الأمر سبق أن حدث، وأصيب بعض الطلبة برصاص الاحـ ـتلال ثم جرى اعتقالهم.

سياج الطلبة الجامعيين الأول ينبغي أن يكون إدارة جامعاتهم ثم جموع الطلبة، ثم عموم المجتمع بمستوياته ومؤسساته كلها، وجميع هؤلاء مطالبون بتضامن واسع مع المعتصمين والملاحقين، لأن المستهدف هنا هم طليعة الطلبة نشاطاً والتزاماً وطنـ ـيا، وسعياً في خدمة زملائهم الطلبة والدفاع عن حقوقهم، وهم منتخبون لكي يكونوا في مجلس الطلبة، فكيف يُقبل بأن يصبحوا في دائرة الاستهداف والملاحقة والأولى؟ وكل جريمتهم نشاطهم النقابي واجتهادهم في الذود عن حقوق زملائهم، وأولها الحق في التمتع ببيئة جامعية آمنة، لا تظللها حراب القمع والإقصاء، ولا يهيمن عليها الخوف والخنوع.

وإن كان لبعض الجامعات وخصوصاً جامعة بيرزيت من سمات تتميّز بها على صعيد حرية العمل النقابي، وقوة حركتها الطلابية، وما يترتب على ذلك من أجواء تشجّع كثيراً من الأهالي على تسجيل أبنائهم فيها، أملاً في بناء شخصياتهم في بيئة متميزة، فإن ذلك كله ما كان ليحصل لولا تضحيات هذا النفر الطليعي من الطلبة الذين يعتصمون في البرد ويواجهون الاعتقال ويتحدّون الملاحقة، ويضحون بوقتهم وأعمارهم وحظوظهم من الراحة والاستقرار، لكي تظل جامعتهم منارة للأحرار، وواحة للحرية.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق
إغلاق