مقالات
الاعتقال السياسي

الكاتب: سعيد الوجاني
تسمى الجرائم السياسية، كيفما كانت طبيعتها ونوعيتها، بالجريمة الشريفة. و(المجرم) كما يسمى في القانون الجنائي للدول المتخلفة، يعتبر (مجرما) شريفا، لأن الواعز والدافع لارتكاب الفعل (الجريمة)، لا يكون من نفس الأسباب التي يقترفها مجرم الحق العام. بل إن الدافع للفعل هو المشروع المجتمعي الذي يناضل من أجله كل فاعل سياسي، وإن كان لكل فاعل مشروعه الذي يختلف عن مشروع الفاعل الأخر.
لذا فما يسمى بـ(المجرم) الفاعل السياسي، هو كل فاعل يتم اعتقاله بسبب انتمائه إلى تنظيم أو حزب أو منظمة، وهو كل فاعل سياسي يتم اعتقاله أثناء مباشرته الدعوة للتنظيم أو يشارك في حملته أو يعتقل بسبب المشاركة في وقفة سياسية أو عمالية أو حقوقية أو المشاركة في اعتصام.
ويعتبر (مجرماً) سياسياً كل من تم اعتقاله بسبب آراءه، أو كتاباته وتصريحاته أو تدويناته في المواقع الالكترونية والصحافة الورقية، وخطاباته السياسية داخل التنظيم أو في الساحات العمومية.
كما يعتبر معتقلو فاضحي الفساد بمختلف أشكاله، معتقلين سياسيين لأن نضالهم ينصب ضد فساد دولة، وفساد أجهزة وقوانين، أي أن نضالهم هو ضد دولة فاسدة، وسيما أن أجهزة الدولة هي من اعتقلتهم، ومحاكمتهم جرت بمحاكمها وامام قضاتها، والقوانين التي طبقت في حقهم هي قوانين دولة، وليست قوانين جماعة والسجون التي يوجدون بها هي سجون دولة فاسدة.
كما تعتبر الاعتقالات التي يتعرض لها الطلبة، عند خوضهم للنضالات داخل الجامعات، والكليات والمدارس العليا اعتقالات سياسية. وهذا ما تزكيه وتبصم عليه كل المنظمات الحقوقية الأوربية والأمريكية، وخاصة وأن أي نضال طلابي يُبنى على القاعدة الاستراتيجية “لكل نضال شعبي جماهيري صداه في الجامعة “.
إذا كانت الحكومات الغربية ووزارة الخارجية الأمريكية، تتبنى ملفات حقوق الإنسان بالدول المتخلفة فانه بالنسبة للأنظمة السياسية لهذه الحكومات، تكون الصورة مقلوبة ومعكوسة لوضع لا ينطبق بما فيه.
إن هذه الأنظمة تنفي صفة الجريمة السياسية، والمعتقل السياسي والمحاكمات السياسية عن مثل هذه الجرائم الشريفة، وتعمل جاهدة على إدخالها ضمن خانة جرائم الحق العام، وذلك حتى تحرم الفاعلين السياسيين من دعم ومساندة منظمات حقوق الإنسان الوطنية، والعمل ما أمكن على حرمانهم من مساندة منظمات حقوق الإنسان الدولية، وذلك سعيا منها لتشويه سمعتهم وصورتهم، وحتى تتمكن من الاستفراد بهم في غيبة المراقبة الحقوقية الدولية التي تنتهي بالإدانة والتنديد والاحتجاج، وتنتهي بفضح الأجهزة البوليسية الفاشية المجرمة للأنظمة المعادية للديمقراطية وحقوق الإنسان.
إن تاريخ المحاكمات السياسية يشهد على الفظاعة وبشاعة الدولة البوليسية القمعية، والأجهزة القضائية الفاسدة التي مارستها تلك الأنظمة الاستبدادية ضد الإنسانية، كما تشهد على مختلف أنواع القمع التي تعرض له المعتقلون السياسيون، بمختلف مشاربهم السياسية والإيديولوجية .
لكن ما يلاحظ وبعد التطورات التي حصلت في العالم منذ الثلاثين سنة الأخيرة، أن وتيرة قمع الأنظمة لم تتغير، بل ظلت هي هي. لكن الذي تغير هو الوسائل والمكانيزمات المستعملة في القمع الناعم وهذا يدلل على أن الآلة الجهنمية لقمع الأنظمة ظلت محتفظة على وتيرتها وطابعها القمعي الاستبدادي.
فإذا كانت الأنظمة السابقة، تحرص على نفي صفة المعتقل السياسي عن الفاعلين السياسيين، الذين يحاكمون بسبب جرائم سياسية فان الأنظمة الحالية تنفي بالمطلق صفة المعتقل السياسي، عن اي معتقل يقدم إلى المحاكمة بملفات مطبوخة ومزورة من قبل البوليس لتصفية حسابات سياسية مع الفاعل السياسي تزعج الأنظمة كالانخراط ضمن جمعيات جادة او منظمات أو تنظيمات أو أحزاب أو بسبب وقفات ومسيرات واعتصامات أو بسبب إبداء الرأي أو بسبب منشورات أو كتابات سياسية ضد الأنظمة المتسلطة.
فالأنظمة هنا تلجأ الى طبخ الملفات والمحاضر، بطريقة تنفي صبغتها السياسية ولتحشرها ضمن جرائم الحق العام، من جهة لتشويه سمعة الفاعل السياسي، ومن جهة لتجريده من صفة المعتقل السياسي، ومن جهة لحرمانه من مساندة ودعم منظمات حقوق الإنسان الأوربية والأمريكية .
أما ما سمي بمنظمات حقوق الإنسان الوطنية، وكلها لها ارتباط بشكل ما بالأنظمة، فهي تعمل دائما على أساس برنامج النظام، لا أساس الدفاع عن حقوق الإنسان المعطوبة، ومن ثم يصير الوضع، هو تحالف ما يسمى بمنظمات حقوق الإنسان الوطنية، مع الأنظمة ضد الفاعلين السياسيين المجردين من اي دعم حقوقي محلي، وفي نفس الوقت المساهمة في إقناع المنظمات الدولية لحقوق الإنسان، بعدم جدوى تبني ملف الفاعل السياسي، لكونه يدخل ضمن الجرم العام ولا يدخل ضمن الجرم السياسي. وللإشارة يلعب العديد من المحامين المرتبطين بالأنظمة، نفس دور هذه المنظمات.