آخر الأخبارتقارير
ما دور الحقوقيين عندما تتلاعب الدولة بالقواعد القانونية للاحتجاز؟

الضفة الغربية:
تلجأ النظم الأوتوقراطية حول العالم إلى حبس الأفراد لأسباب سياسية في الوقت نفسه، تكاد لا توجد حكومة في العالم تقرّ بوجود معتقلين سياسيين في سجونها. بما أن الاعتقال السياسي يمثل انتهاكاً كبيراً لحقوق الإنسان بحسب القانون الدولي لحقوق الإنسان، فإن لدى الحكومات دوافع قوية لنفي الصفة السياسية عن تلك الاعتقالات.
ومن أجل إخفاء الدوافع السياسية، تلجأ الدول الأوتوقراطية إلى إعطاء تلك الاعتقالات مظهراً قانونياً، هذا المقال يناقش خمس استراتيجيات (غير) قانونية كبرى كثيراً ما تُستخدم لتبرير الاعتقال السياسي.
أولاً، يتم حبس المعارضين حول العالم بموجب قوانين “تحريض” فضفاضة التفسير.
هذه القوانين ضد الأفعال المناوئة تُقنن في قوانين العقوبات بعدة دول، وكثيراً ما يُساء استخدامها في تجريم أي نوع من أنواع المعارضة للسلطة، بشكل يسمح للقضاء بحبس المعارضين ضمن عملية التقاضي الرسمية. لكن هذه القوانين في حد ذاتها تمثل انتهاكاً لحقوق الإنسان الأساسية، ومنها الحق في حرية التعبير.
ثانياً، تميل الحكومات إلى استخدام “قوانين مكافحة الإرهاب” في تبرير الاعتقال السياسي.
من خلال إعلان المعارضين إرهابيين، تسعى الحكومات إلى نزع الشرعية عن مطالب المعارضة إذ تربطها بالعنف والفوضى. يجري استخدام وسم “الإرهابي” أو “اثارة الفتن” التهييجي هذا في عدد من الدولة، وعلى المجتمع الحقوقي أن يعي بهذه التشويهات لوسم الإرهاب، بما أن الكثير من “الإرهابيين” المحتجزين لا هم إرهابيون ولا يتبنون العنف منهجاً.
ثالثاً، تستعين الحكومات الأوتوقراطية بما يُدعى “قوانين الطوارئ” لتبرير حبس الخصوم السياسيين.
تميل قوانين الطوارئ إلى توسيع سلطات الذراع التنفيذية بالدولة على السلطة القضائية. لكن مصطلح “الطوارئ” يُساء استخدامه كثيراً أيضاً. بدلاً من اعتبار الطوارئ أداة تتم الاستعانة بها في الظروف الاستثنائية، فالكثير من الحكومات لا تلغي حالة الطوارئ قط. ومؤخراً ظهرت مخاوف حول قوانين الطوارئ المتصلة بجائحة كوفيد-19 حيث استغلت السلطات فرض حالة الطوارئ في تنفيذ اعتقالات سياسية.
وتميل الحكومات الأوتوقراطية إلى إثارة البواعث الأمنية كذريعة لحبس الخصوم السياسيين الذين تنظر إليهم بصفتهم يهددون المجال العام. لابد أن يصمم مجتمع حقوق الإنسان على حماية حقوق الإنسان الأساسية حتى في أثناء أوقات الأزمات.
رابعاً، يودع بعض المعارضين السجون بناء على اتهامات ملفقة بجرائم لم يرتكبوها قط.
في حالات “التلفيق” هذه، تطبق الحكومات قوانين مشروعة مثل النصوص الجنائية ضد السرقة أو القتل. لكن لا توجد أدلة على ارتكاب المدعى عليهم للجرائم. ومثل هذه القضايا الملفقة تسمح للنظم الأوتوقراطية بالالتفاف حول الضغوط الدولية المتصلة بالقوانين سياسية الدوافع. بما أن السجناء السياسيين في هذه الحالة يساوون بالسجناء الجنائيين، يصبح من الصعب على المدافعين عن حقوق الإنسان الوصول إلى السجناء السياسيين وتبيّنهم. من ثم، من الضروري أن يدقق المجتمع الحقوقي جيداً في الحالات حيث للدولة تاريخ من تلفيق الجرائم.
خامساً، تحرم عدة حكومات المعارضين من حريتهم في غياب أي سند قانوني.
إذ تقوم باحتجازهم على ذمة الحبس الاحتياطي لفترات مطولة، أو بدون أجل مسمى، على ذمة القضايا يمكن الحكومات الأوتوقراطية من إلقاء اللوم على عدم كفاءة القضاء فيما يخص الحرمان من الحرية لفترات طويلة. في حين يتم تأخير وتعطيل المداولات القضائية عمداً، يتم في النهاية إسقاط الاتهام بملاحقة الأفراد لأسباب سياسية بالقول بأن القضايا لا تزال تحت النظر.
تُظهر هذه الاستراتيجيات الخمس أن الحكومات الأوتوقراطية تحاول شرعنة القمع، ومد مظلة القوانين الجنائية بشكل يتجاوز ما تحتمل، وإساءة استخدام الأدلة، وتمديد فترات المحاكمات لحبس الأفراد بدوافع سياسية على ذمة القضايا. كيف يمكننا الوصول إلى المعتقلين السياسيين وتبيّنهم رغم هذه المحاولات الممنهجة لإنكار الدوافع السياسية للاحتجاز؟
على المجتمع الحقوقي أن يعرف بهذه الاستراتيجيات لإخفاء الحرمان غير المشروع من الحرية. من المهم فهم أن الإدانة عبر عملية قضائية اعتيادية ليست كافية لأن يكون الحبس قانونياً، نظراً لأن القوانين المنطبقة قد تكون في حد ذاتها منحازة وغير عادلة. من أجل تيسير التعرف على المعتقلين السياسيين.
حيث تتلاعب السلطات حول العالم بصياغة القوانين لتبرير الحبس السياسي وعلى مجتمع حقوق الإنسان أن يناوئ هذه المحاولات من خلال تعميم المعلومات المستقلة والأدلة المحايدة لنزع المشروعية عن الحرمان المتعسف من الحرية.